سر السمراء الفاتنة:

سر السمراء الفاتنة:

بينما كنت اقلب صفحات مخطوطة قديمة اصفرت أوراقها وتمزقت حواشيها، عثرت على وصفة فرعونية قديمة تذكر الطريقة السرية لإعداد قهوة لا تنسى، وقد ذكرت المخطوطة ان هذه الوصفة خطها كاتب فرعونى مغمور على بردية عثر عليها في معبد الحكماء بقرية صان الحجر، رغبة منه في نقل حكمة اسلافه المقدسة كما يدعى، وقد استهلها بإهداء يقول فيه: اهدى هذه الوصفة السحرية التي لا يوجد لها مثيل، من أجل "مريت مون" نفرتاري، التي تتألق النجوم حبا فيها، والتي كانت أمامى ومعى في خيالى اثناء كتابتى لكل كلمة من كلماتها، ثم كانت الوصفة كالتالى:
ابدأ بان تأخذ قليلا من الماء البارد الصافي صفاء عيني حبيبتك الفاتنة، وضعه في إناء أنيق كقوامها الرشيق ثم اضف اليه بنا ناعما، شديد النعومة كملمس يديها المترفتين، كستنائى اللون او بنى او اسود، لا يهم درجة اللون المهم ان يكون بلون شعرها الناعم ، وان يكون بنا طازجا مطحونا يتصاعد منه عبير منعش كأنفاسها الذكية، ثم اضف مقدارا من السكر يكفى لان يجعلها حلوة المذاق بحلاوة ابتسامتها الطفولية الخجولة، الآن امسك الملعقة بلطف وكأنك تمسك اطراف انامل راقصة باليه رشيقة وقلب بها هذا الخليط المبارك ببطء وتناغم وكأنك تراقصها على انغام لحن رومانسي هادئ، ثم ضعه على نار ليست متأججة كتأجج النيران في صدر الحسود، وليست باردة كبرودة العاطفة في قلب عاشقة مخدوعة مهجورة، مجرد شعلة هادئة رقيقة برقة عواطفك الكامنة، "وآه لو كانت نار الحطب"، وانتظر دون ملل فالقهوة كالحسناوات تكره الرجل الملول .. انها في هذه المرحلة ستكون كأنثى يافعة في مرحلة النضج بدأت تشعر بقوة أنوثتها وتستمتع بها ... لا تتركها لتنجز امرا من امورك مطمئنا الى انها ستنتظر عودتك، فهى مازالت مجرد فتاة ساذجة لا تصبر على هجران الحبيب وستفور غضبا وتسكب رحيقها هنا وهناك مسببة فوضى لا قبل لك بها ولن تحصل منها حينذاك إلا على النزر اليسير مما تبقى من عواطفها المحترقة المرة، اصبر اذن بصبر الحبيب على دلال محبوبته وستلاحظ ان الدفء بدأ يسري في كيانها وستبدأ أنفاسها العبقة تتصاعد على هيئة بخار رقيق ربما رأيته يتشكل أمامك -اذا كنت تتمتع بخيال خصب- على هيئة حورية رائعة الحسن والجمال تلف يديها النديتين الدافئتين حول عنقك فتخلط انفاسها العطرة بأنفاسك المنبهرة ... حسنا لا تتماد .. تجلد واكبح عواطفك قليلا... انتظر ولا تبعد عينيك عن وجهها فهى تريد وترغب بشدة ان تستحوذ على كل انتباهك -فإذا كنت عاشقا حقيقيا للقهوة فانا اثق انك ستحقق لها هذه الرغبة، وهل يوجد عاشق يبعد عينيه لحظة واحدة عن وجه حبيبته اثناء اللقاء؟! ومع ملاحظتها لبريق الشوق في عينيك المحدقتين بها سيزداد وجهها اشراقا وستسرى مسحة من حمرة الخجل المحببة فى وجهها، وستبدأ عواصف الحب تهب داخل قلبها، انتظر قليلا وستناديك بصوت رقيق عذب وكأنها تتضرع لك ان ترحمها من لهيب الشوق الذى يتأجج في جوفها وترجوك ان تحملها معك بعيدا على حصانك الأبيض، لا تتركها تشعر باليأس وخيبة الامل، سارع الى رفعها بعيدا لتنقذها من لفح النيران الحامية، ثم ضعها بنعومة وبحرص الأم على وليدها الوحيد في سريرها الوثير الثمين الذى نطلق عليه – نحن فراعنة القهوة- اسم "الفنجان"، لا ليس فنجانا من الذهب أو الفضة، فبرودة المعدن لا تناسب أبدا حرارتها، انها حسناء جامحة تحتاج الى من يحتويها ويبقى على دفئها اللذيذ لا من يبدده في الهواء بطيش ورعونة، كلا وليس أيضا قدحا من الزجاج او البلور الشفاف فالقهوة متحفظة، تخجلها العيون المتلصصة، ولا تبوح بسرها الا في الخفاء، من شفة الفنجان الى شفتيك انت العاشق مباشرة.. ضعها في قدح من الفخار او البورسلين الناصع البياض المنحوت بفن والمزخرف بنقوش رزينة مبهجة، الآن احملها برقة وحرص الى مجلسك الوثير ومكانك الاثير، وعندما تصبحان على انفراد تنسم عبيرها بنشوة وتأمل بشوق وجهها المستدير كالقمر المغطى بغلالة شبه شفافة كتلك الغلالة من الشيفون التي تضعها العروس المجلوة على وجهها ليلة زفافها، اكشف جزءا من هذه الغلالة بشفتيك وارشف برقة رشفتك الأولى وستحلق كطائر سعيد في افق مبهج بعيد عن الحدود الضيقة التي يعيش فيها بقية البشر، ولكن احذر ان يغريك رحيقها المنعش فتشربها على عجل، خذ وقتك واحتسيها على مهل واستمتع بكل لحظة حب شيقة تقضيها مع تلك السمراء الفاتنة، وفى كل الأحوال لا تفوت ابدا فرصة ان تعد محبوبتك الحسناء الوفية لك القهوة، تعدها باى طريقة شاءت، المهم ان تحتسياها سويا فى ليلة صيفية رق نسيمها، او في ليلة ربيعية تفتحت أزهارها، او حتى في ليلة شتوية باردة ادفنتها عواطفكما السامية، وحينئذ ستدرك المعنى الحقيقى للذة النشوة الحلال، فالقهوة عندما تعدها المرأة الحسناء بحب، لنفسها او لمن تحب ... تضع فيها جزءا من روحها الحلوة.. وقطرة من اكسير الحب السحرى الذى تمتلك كل امرأة نصيبا منه، قل او كثر، فتكون النتيجة أروع مشروب في الوجود".
هذا هو سر القهوة الفرعونى كما قرأته في مخطوطتي الثمينة التي ذكر في حاشيتها ان تلك البردية الفريدة قد فقدت بعد ان مزقتها السيدة "ست أن بر" المحترمة ثم أشعلت فيها النيران لتصنع قهوتها على نار هادئة .
د. منذر محمد عبد الرحمن صان الدين #منذر_صان_الدين




تحذير
هذا النص محمي بموجب قوانين حفظ حقوق المليكة الفكرية ويسمح بنقل النص او باقتباس جزء منه مع ذكر اسم الكاتب، كما يمنع منعا باتا اقتباس او نقل الموضوع باي طريقة
الكترونية او غير الكترونية الى كتب او اسطونات تجارية دون اذن مسبق من صاحب المقال.