البلبل المصرى
صفحة 1 من اصل 1
البلبل المصرى
**********************البلبل المصرى
***********************طائر الحرية
بقلم/ د. منذر صان الدين
طائر صغير رشيق مفعم بالحيوية وحب الحياة يجمع ما بين الفطنة والوسامة وعذوبة الصوت يحب البشر ويألف صحبتهم، إذا حل ضيفا على بيت ملأه بهجة وسرورا وانشراحا،حتى قيل انه طائر من طيور الجنة، لكن الألحان الساحرة للبلبل عندما يكون وحيدا بعيدا عن خلانه أو أسيرا في القفص لا تخلو من نغمة حزن غامضة تشير الشجن في النفوس المحبة النقية وهذا ما شعر به الاصمعى عندما سمع بلبلا يغرد وحيدا فوق نخلة بأرض العراق فقال:
أيها البلبل المغرد في النخـــــــــــل غريباً من أهله حيرانـــــــــــــــا
هاج لي صوتك المغرد شجـــــــوا رب صوت يهيج الأحزانـــــــا
رمز التغريد للحرية:
شيئان يكرههما البلبل ويثيرا حزنه هما مفارقة الأهل والخلان و ذل العبودية في الأسر والأغلال حتى أصبح يقال أن البلبل من شدة حبه للحرية لا يحوك لنفسه عشا في القفص حتى لا يورث العبودية لأبنائه ويظل بدون عش متعلقا بأسلاك القفص متطلعا ناحية السماء وهو يرسل ألحانه الحزينة فليس عجيبا إذن أن كان صوت البلبل رمزا للتغريد من أجل الحرية، لكن الأسطورة الشعبية القديمة تحكى سببا آخر لنغمات الحزن الشجية في صوت البلبل الساحر فتقول: إن البلبل كان في بداية الزمان شاباً وسيما هام عشقا بفتاة بارعة الجمال رفضت أن تتزوج ساحرا شرير فقرر أن ينتقم منهما بأن حول الشاب العاشق إلى طائر صغير الحجم عذب التغريد وحول الفتاة إلى وردة جميلة ذات رائحة زكية تتفتح في فصل الربيع فيغرد البلبل في ذلك الموسم وهو يرقب تلك الوردة وهي تتفتح حيث يتوق إلى أن يشرب قطرة من الرحيق المتجمع في كأس الوردة ليشعر بالسعادة لكنه عندما يقترب من الوردة في لهفة تسقط قطرة الرحيق من الوردة المنتشية المتمايلة إلى الأرض بفعل حركة الهواء الناجمة عن رفرفة جناحيه فلا يستطيع البلبل إرواء ظمأه ولكنه يظل يحاول دون كلل حتى ينتهي فصل الربيع فتنكمش الوردة على نفسها ويبتعد البلبل حزيناً وهو يرسل ألحانا عذبة شجية تبهر السامعين.
حياته و طبيعته:
تنتشر أنواع البلابل في مختلف بلدان ومناطق العالم وعادة ما يطلق على كل نوع اسم يرتبط بالبلدة أو المنطقة الذي اكتشف فيها واسم آخر أو أكثر يرتبط بصفة مميزة من صفاته فهناك البلبل العراقي والبلبل الروسي والبلبل الياباني وغيرها وكل له صفاته وعادته وألحانه الخاصة كما سنرى، والبلبل المصري يطلق عليه أيضا اسم البلبل الشائع أو البلبل اسود العينين وهو عصفور متوسط الحجم يصل طوله من طرف منقاره إلى طرف زيله إلى 20 سنتيمتر ولا يزيد وزنه عن 50 جراما والريش اللامع الجميل الذي يكسو بدنه يتميز باللون الأسود على منطقة الرأس والأبيض على البطن والأصفر أسفل الذيل والرمادي أو البني غامق على باقي الجسم مع وجود زركشات من اللون الأسود على الجناحين والذيل، وهو يعيش في كافة ربوع مصر من شمالها إلى جنوبها ويكثر في سيناء وحول القاهرة وفى حدائق ومروج الفيوم والجيزة ، وكمصرى أصيل انتشر البلبل المصري في جميع أنحاء القارة الإفريقية واستطاع أن يكيف نفسه على العيش في مختلف الظروف والأجواء فأصبح مألوفا في الغابات الأفريقية الحارة و الأدغال الساحلية الممطرة وبالطبع في المناطق التي يعشقها والتي تذكره بلده وهى المناطق الزراعية و الحدائق و البساتين وعلى ضفاف الأنهار، وهو يعيش في أزواج أو مجموعات صغيرة ويقضى وقته على الأشجار القصيرة وخاصة تلك التي تكون كثيفة الفروع و الأوراق ويتغذى على الحشرات التي يجمعها من قمم النباتات أو يلتقطها ببراعة فائقة أثناء طيرانها كما يتغذى على الحبوب والثمار، وفى موسم التزاوج تقوم ذكور البلابل بعمل عروض استعراضية غزلية رائعة ويبدأ الذكر العرض أمام عينى الأنثى المختارة بأن يعلق نفسه عاليا في الهواء وهو يحرك جناحيه بشكل بطيء لمده نصف دقيقة تقريبا ثم ينفش ريشه ويندفع إلى أسفل في اتجاه ارض بمنقار مفتوح وهو يصدر ألحانا غزلية عذبة وكأنه عاشق يلقى بنفسه من حالق مضحيا بنفسه حتى ترضى عنه حبيبته، وبالطبع قبل أن يصل إلى الأرض ترضى عنه محبوبته فيرتفع بكل رشاقة ويتم التزاوج، ثم يتعاون الزوجان في بناء العش عند ملتقى فرعين أو ثلاثة من أفرع شجرة وارفة والتى غالبا ما تكون شجرة ورد أو عناب أو توت، ثم تقوم الإناث بوضع من اثنتين إلى ثلاثة بيضات مبرقشة ومنقطة باللون البنفسجي و الأسود ويتناوب الزوجان على حضن البيض حتى يفقس.
البلابل مميزات وعيوب:
بسبب صوتها العذب وحب البشر لألحانها الشجية أصبحت البلابل المصرية –رمز الحرية- معرضة للأسر والحبس في أقفاص تعلق داخل منازل وحدائق البشر، وتقول الحكاية العربية القديمة أن زرزورا مر بلبل أسير في قفص فحسده على صوته العذب فقال له البلبل: أيها الزرزور يجب أن تشكر الله على انه لم يهبك فضيلة الصوت الجميل وإلا كنت أسيرا مثلى فهذا النقص هو الذي جعلك حرا، وهذه الفضيلة هي التي حبستني في هذا القفص. ويبدو أن البلابل تحاول رغم حزنها أن تتواءم مع حياة الأسر وتتفاوت قوة تحملها حسب نوع البلبل وموطنه، فالبلبل العراقي أبيض الخدين مثلا يصفه احد مربى البلابل فى مدونته بأنه طائر رائع ذكي يقلد الأصوات وصوته من أجمل الأصوات وخاصة عند الذكور لكن مشكلته أنه طائر حنون رقيق الإحساس إلى درجة تجعله عرضه للموت من دون أن يشعر المربي، أما البلبل العربي (البلبل السوري أو البلبل الفلسطيني) الذي توجد دائرة بيضاء حول عينيه تشبه إطار النظارة لذلك يطلق عليه أيضا اسم البلبل ذو النظارة البيضاء فيتميز بروعة و قوة تغريده وجمال ألحانه، لكن مشكلته أنه لا يطيق البقاء في الأسر أكثر من ثلاث سنوات ولابد من إعطاءه حريته أو تغيير منطقته وإلا سيموت حتما، وهناك البلبل الماليزي احمر الوجنتين وهو بلبل جميل المنظر كبير الحجم سريع التعلم يعيش في دول شرق آسيا حيث تقام له هناك مهرجانات ومسابقات تغريد صاخبة في ساحات كبيرة لكن المشكلة التي تواجه من يربونه هي مسألة الغذاء المناسب له إذ انه طائر مدلل لا يرضى إلا بغذاء معين، والبلبل الروسي الرمادي صاحب الريش الأزرق الرمادي الناعم والذي يوجد قناع اسود حول عينيه يمتد إلى خلف رأسه يعطيه شكل احد أفراد العصابات إلا انه في الحقيقة طائر أليف وودود جدا، والبلبل الياباني بني الأذن بلبل اجتماعي يعيش في أسراب ضخمة خلال الهجرة ويعيبه صوته العالي الغير جذاب، وبلبل الهيملايا أبيض الخد هو بلبل الأجواء المفتوحة دون منازع حيث يفضل الجبال العالية والوديان الواسعة والشجيرات المتباعدة، ويكره الغابات والأشجار الملتفة ليس عجيبا إذن أن كان موطنه هو منطقة جبال الهيملايا، أما البلبل الزيتوني ( البلبل الأوروبي) فلا يبدو منظره رشيقا كالبلبل العربي إذ يمتلك رأسا ضخما ومنقارا كبيرا وخدودا منتفخة وجسما مكتنزا وذيلا قصيرا وهى صفات لا تدل أبدا على انه بلبل أوروبي، لكن شهرته تنبع من قدرته على التغذي بنوى البذور شديدة الصلابة مثل نوى الزيتون والكرز لذلك تضخمت رأسه وقوى منقاره ليتمكن من كسر هذه البذور العنيدة ودعم الله عز وجل منقاره بعضلات هائلة تظهر بارزة على وجنتيه فتبدوان وكأنهما منتفختان كما تنتفخ خدود الفتاة السمينة, وتبلغ قوة عضلات فكي الطائر انه يستطيع أن يضغط على نواة الزيتون بقوة تعادل أكثر من 40 كيلوجرام لكي يحطمها ويحصل على ما بداخلها وهى قوة عجيبة أن تصدر عن طائر لا يزيد وزنه عن 55 جرام على أقصى تقدير ورغم هذه القوة التي يمتلكها إلا انه كائن متواضع شديد الخجل حتى انه إذا شاهد احد من البشر يقترب من مكانه يتوارى بين أوراق الأشجار الملتفة، ولكن ماذا عن طبيعة البلبل المصري..؟
بلبل مزاجي:
يقول المربيون الخبراء أن للبلبل المصري خصلة محيرة وهى أنه بلبل مزاجي بطريقة عجيبة فتراه يملئ الدنيا غناء متفائلا مفعما بحب الحياة حينا وينزوي على نفسه صامتا حزينا حينا آخر ثم، ودونما سبب واضح قد يرسل أحيانا أنات شكوى حزينة معذبة، أما غير ذلك فهو عصفور أليف حبوب ذكي للغاية قوى البنية والتحمل يستطيع أن يكيف نفسه على مختلف الظروف ويمكنه أن يتعلم الكثير من الأشياء كالتعامل مع البشر وإذا اعتاد على المكان الذي يربى فيه واطمأن إلى الشخص الذي يعتني به فانه يمكن أن يترك له باب القفص مفتوحا ليتجول خارجه كما يحلو له فلن يحاول الابتعاد حتى مع وجود نوافذ مفتوحة وحتى إذا خرج إلى الشرفة سيطير مسافة قصيرة و يعود لصاحبه وهو يسكب الألحان الجميلة سعيدا بحريته معتزا بصداقته، والبلبل المصري له ألحان رائعة ما بين تغريد طويل و قصير و نداء و تنبيه, ويكثر تغريده في الحدائق قبل الشروق و عادة ما تنطلق التغريدات الشجية في مصر بانتهاء آذان الفجر فتصدح البلابل بالغناء وكأنها تناجى ربها ًأو كأن جوقة تردد التواشيح الدينية والتسابيح الشجية والأدعية المستجابة ليس عجيبا إذن أن يؤول مفسرو الأحلام رؤية البلبل في الحلم بأن الله عز وجل سيهب لصاحب الرؤية ولدا صاحب صوت حسن يحفظ القرآن ويرتله بكل براعة ودون خطأ وليس غريبا أن اعتبر المصريون صوت البلابل رمزا لصوت الإسلام السمح الذي يدخل السكينة والسلام على النفوس الخاشعة ويزيدها اطمئنانا وقربا من ربها في منطقة أصبحت تضج بصياح الغربان المنفر كما يقول الشاعر المرحوم/ محمد صان الدين:
أيترك بلبل الإسلام يشـــــــــــــدو وليس عليه في شدو جنـــاح؟
أم الغربان من شرق وغـــــرب يدوى دونه منها الصيــــــــــاح
وتصخب بالهراء بلا نكيــــــــــر كأن حمى البلابل مستبـــــــاح
تحذير
هذا النص محمي بموجب قوانين حفظ حقوق المليكة الفكرية ويسمح بنقل النص او باقتباس جزء منه مع ذكر اسم الكاتب، كما يمنع منعا باتا اقتباس او نقل الموضوع باي طريقة
الكترونية او غير الكترونية الى كتب او اسطونات تجارية دون اذن مسبق من صاحب المقال.
***********************طائر الحرية
بقلم/ د. منذر صان الدين
طائر صغير رشيق مفعم بالحيوية وحب الحياة يجمع ما بين الفطنة والوسامة وعذوبة الصوت يحب البشر ويألف صحبتهم، إذا حل ضيفا على بيت ملأه بهجة وسرورا وانشراحا،حتى قيل انه طائر من طيور الجنة، لكن الألحان الساحرة للبلبل عندما يكون وحيدا بعيدا عن خلانه أو أسيرا في القفص لا تخلو من نغمة حزن غامضة تشير الشجن في النفوس المحبة النقية وهذا ما شعر به الاصمعى عندما سمع بلبلا يغرد وحيدا فوق نخلة بأرض العراق فقال:
أيها البلبل المغرد في النخـــــــــــل غريباً من أهله حيرانـــــــــــــــا
هاج لي صوتك المغرد شجـــــــوا رب صوت يهيج الأحزانـــــــا
رمز التغريد للحرية:
شيئان يكرههما البلبل ويثيرا حزنه هما مفارقة الأهل والخلان و ذل العبودية في الأسر والأغلال حتى أصبح يقال أن البلبل من شدة حبه للحرية لا يحوك لنفسه عشا في القفص حتى لا يورث العبودية لأبنائه ويظل بدون عش متعلقا بأسلاك القفص متطلعا ناحية السماء وهو يرسل ألحانه الحزينة فليس عجيبا إذن أن كان صوت البلبل رمزا للتغريد من أجل الحرية، لكن الأسطورة الشعبية القديمة تحكى سببا آخر لنغمات الحزن الشجية في صوت البلبل الساحر فتقول: إن البلبل كان في بداية الزمان شاباً وسيما هام عشقا بفتاة بارعة الجمال رفضت أن تتزوج ساحرا شرير فقرر أن ينتقم منهما بأن حول الشاب العاشق إلى طائر صغير الحجم عذب التغريد وحول الفتاة إلى وردة جميلة ذات رائحة زكية تتفتح في فصل الربيع فيغرد البلبل في ذلك الموسم وهو يرقب تلك الوردة وهي تتفتح حيث يتوق إلى أن يشرب قطرة من الرحيق المتجمع في كأس الوردة ليشعر بالسعادة لكنه عندما يقترب من الوردة في لهفة تسقط قطرة الرحيق من الوردة المنتشية المتمايلة إلى الأرض بفعل حركة الهواء الناجمة عن رفرفة جناحيه فلا يستطيع البلبل إرواء ظمأه ولكنه يظل يحاول دون كلل حتى ينتهي فصل الربيع فتنكمش الوردة على نفسها ويبتعد البلبل حزيناً وهو يرسل ألحانا عذبة شجية تبهر السامعين.
حياته و طبيعته:
تنتشر أنواع البلابل في مختلف بلدان ومناطق العالم وعادة ما يطلق على كل نوع اسم يرتبط بالبلدة أو المنطقة الذي اكتشف فيها واسم آخر أو أكثر يرتبط بصفة مميزة من صفاته فهناك البلبل العراقي والبلبل الروسي والبلبل الياباني وغيرها وكل له صفاته وعادته وألحانه الخاصة كما سنرى، والبلبل المصري يطلق عليه أيضا اسم البلبل الشائع أو البلبل اسود العينين وهو عصفور متوسط الحجم يصل طوله من طرف منقاره إلى طرف زيله إلى 20 سنتيمتر ولا يزيد وزنه عن 50 جراما والريش اللامع الجميل الذي يكسو بدنه يتميز باللون الأسود على منطقة الرأس والأبيض على البطن والأصفر أسفل الذيل والرمادي أو البني غامق على باقي الجسم مع وجود زركشات من اللون الأسود على الجناحين والذيل، وهو يعيش في كافة ربوع مصر من شمالها إلى جنوبها ويكثر في سيناء وحول القاهرة وفى حدائق ومروج الفيوم والجيزة ، وكمصرى أصيل انتشر البلبل المصري في جميع أنحاء القارة الإفريقية واستطاع أن يكيف نفسه على العيش في مختلف الظروف والأجواء فأصبح مألوفا في الغابات الأفريقية الحارة و الأدغال الساحلية الممطرة وبالطبع في المناطق التي يعشقها والتي تذكره بلده وهى المناطق الزراعية و الحدائق و البساتين وعلى ضفاف الأنهار، وهو يعيش في أزواج أو مجموعات صغيرة ويقضى وقته على الأشجار القصيرة وخاصة تلك التي تكون كثيفة الفروع و الأوراق ويتغذى على الحشرات التي يجمعها من قمم النباتات أو يلتقطها ببراعة فائقة أثناء طيرانها كما يتغذى على الحبوب والثمار، وفى موسم التزاوج تقوم ذكور البلابل بعمل عروض استعراضية غزلية رائعة ويبدأ الذكر العرض أمام عينى الأنثى المختارة بأن يعلق نفسه عاليا في الهواء وهو يحرك جناحيه بشكل بطيء لمده نصف دقيقة تقريبا ثم ينفش ريشه ويندفع إلى أسفل في اتجاه ارض بمنقار مفتوح وهو يصدر ألحانا غزلية عذبة وكأنه عاشق يلقى بنفسه من حالق مضحيا بنفسه حتى ترضى عنه حبيبته، وبالطبع قبل أن يصل إلى الأرض ترضى عنه محبوبته فيرتفع بكل رشاقة ويتم التزاوج، ثم يتعاون الزوجان في بناء العش عند ملتقى فرعين أو ثلاثة من أفرع شجرة وارفة والتى غالبا ما تكون شجرة ورد أو عناب أو توت، ثم تقوم الإناث بوضع من اثنتين إلى ثلاثة بيضات مبرقشة ومنقطة باللون البنفسجي و الأسود ويتناوب الزوجان على حضن البيض حتى يفقس.
البلابل مميزات وعيوب:
بسبب صوتها العذب وحب البشر لألحانها الشجية أصبحت البلابل المصرية –رمز الحرية- معرضة للأسر والحبس في أقفاص تعلق داخل منازل وحدائق البشر، وتقول الحكاية العربية القديمة أن زرزورا مر بلبل أسير في قفص فحسده على صوته العذب فقال له البلبل: أيها الزرزور يجب أن تشكر الله على انه لم يهبك فضيلة الصوت الجميل وإلا كنت أسيرا مثلى فهذا النقص هو الذي جعلك حرا، وهذه الفضيلة هي التي حبستني في هذا القفص. ويبدو أن البلابل تحاول رغم حزنها أن تتواءم مع حياة الأسر وتتفاوت قوة تحملها حسب نوع البلبل وموطنه، فالبلبل العراقي أبيض الخدين مثلا يصفه احد مربى البلابل فى مدونته بأنه طائر رائع ذكي يقلد الأصوات وصوته من أجمل الأصوات وخاصة عند الذكور لكن مشكلته أنه طائر حنون رقيق الإحساس إلى درجة تجعله عرضه للموت من دون أن يشعر المربي، أما البلبل العربي (البلبل السوري أو البلبل الفلسطيني) الذي توجد دائرة بيضاء حول عينيه تشبه إطار النظارة لذلك يطلق عليه أيضا اسم البلبل ذو النظارة البيضاء فيتميز بروعة و قوة تغريده وجمال ألحانه، لكن مشكلته أنه لا يطيق البقاء في الأسر أكثر من ثلاث سنوات ولابد من إعطاءه حريته أو تغيير منطقته وإلا سيموت حتما، وهناك البلبل الماليزي احمر الوجنتين وهو بلبل جميل المنظر كبير الحجم سريع التعلم يعيش في دول شرق آسيا حيث تقام له هناك مهرجانات ومسابقات تغريد صاخبة في ساحات كبيرة لكن المشكلة التي تواجه من يربونه هي مسألة الغذاء المناسب له إذ انه طائر مدلل لا يرضى إلا بغذاء معين، والبلبل الروسي الرمادي صاحب الريش الأزرق الرمادي الناعم والذي يوجد قناع اسود حول عينيه يمتد إلى خلف رأسه يعطيه شكل احد أفراد العصابات إلا انه في الحقيقة طائر أليف وودود جدا، والبلبل الياباني بني الأذن بلبل اجتماعي يعيش في أسراب ضخمة خلال الهجرة ويعيبه صوته العالي الغير جذاب، وبلبل الهيملايا أبيض الخد هو بلبل الأجواء المفتوحة دون منازع حيث يفضل الجبال العالية والوديان الواسعة والشجيرات المتباعدة، ويكره الغابات والأشجار الملتفة ليس عجيبا إذن أن كان موطنه هو منطقة جبال الهيملايا، أما البلبل الزيتوني ( البلبل الأوروبي) فلا يبدو منظره رشيقا كالبلبل العربي إذ يمتلك رأسا ضخما ومنقارا كبيرا وخدودا منتفخة وجسما مكتنزا وذيلا قصيرا وهى صفات لا تدل أبدا على انه بلبل أوروبي، لكن شهرته تنبع من قدرته على التغذي بنوى البذور شديدة الصلابة مثل نوى الزيتون والكرز لذلك تضخمت رأسه وقوى منقاره ليتمكن من كسر هذه البذور العنيدة ودعم الله عز وجل منقاره بعضلات هائلة تظهر بارزة على وجنتيه فتبدوان وكأنهما منتفختان كما تنتفخ خدود الفتاة السمينة, وتبلغ قوة عضلات فكي الطائر انه يستطيع أن يضغط على نواة الزيتون بقوة تعادل أكثر من 40 كيلوجرام لكي يحطمها ويحصل على ما بداخلها وهى قوة عجيبة أن تصدر عن طائر لا يزيد وزنه عن 55 جرام على أقصى تقدير ورغم هذه القوة التي يمتلكها إلا انه كائن متواضع شديد الخجل حتى انه إذا شاهد احد من البشر يقترب من مكانه يتوارى بين أوراق الأشجار الملتفة، ولكن ماذا عن طبيعة البلبل المصري..؟
بلبل مزاجي:
يقول المربيون الخبراء أن للبلبل المصري خصلة محيرة وهى أنه بلبل مزاجي بطريقة عجيبة فتراه يملئ الدنيا غناء متفائلا مفعما بحب الحياة حينا وينزوي على نفسه صامتا حزينا حينا آخر ثم، ودونما سبب واضح قد يرسل أحيانا أنات شكوى حزينة معذبة، أما غير ذلك فهو عصفور أليف حبوب ذكي للغاية قوى البنية والتحمل يستطيع أن يكيف نفسه على مختلف الظروف ويمكنه أن يتعلم الكثير من الأشياء كالتعامل مع البشر وإذا اعتاد على المكان الذي يربى فيه واطمأن إلى الشخص الذي يعتني به فانه يمكن أن يترك له باب القفص مفتوحا ليتجول خارجه كما يحلو له فلن يحاول الابتعاد حتى مع وجود نوافذ مفتوحة وحتى إذا خرج إلى الشرفة سيطير مسافة قصيرة و يعود لصاحبه وهو يسكب الألحان الجميلة سعيدا بحريته معتزا بصداقته، والبلبل المصري له ألحان رائعة ما بين تغريد طويل و قصير و نداء و تنبيه, ويكثر تغريده في الحدائق قبل الشروق و عادة ما تنطلق التغريدات الشجية في مصر بانتهاء آذان الفجر فتصدح البلابل بالغناء وكأنها تناجى ربها ًأو كأن جوقة تردد التواشيح الدينية والتسابيح الشجية والأدعية المستجابة ليس عجيبا إذن أن يؤول مفسرو الأحلام رؤية البلبل في الحلم بأن الله عز وجل سيهب لصاحب الرؤية ولدا صاحب صوت حسن يحفظ القرآن ويرتله بكل براعة ودون خطأ وليس غريبا أن اعتبر المصريون صوت البلابل رمزا لصوت الإسلام السمح الذي يدخل السكينة والسلام على النفوس الخاشعة ويزيدها اطمئنانا وقربا من ربها في منطقة أصبحت تضج بصياح الغربان المنفر كما يقول الشاعر المرحوم/ محمد صان الدين:
أيترك بلبل الإسلام يشـــــــــــــدو وليس عليه في شدو جنـــاح؟
أم الغربان من شرق وغـــــرب يدوى دونه منها الصيــــــــــاح
وتصخب بالهراء بلا نكيــــــــــر كأن حمى البلابل مستبـــــــاح
تحذير
هذا النص محمي بموجب قوانين حفظ حقوق المليكة الفكرية ويسمح بنقل النص او باقتباس جزء منه مع ذكر اسم الكاتب، كما يمنع منعا باتا اقتباس او نقل الموضوع باي طريقة
الكترونية او غير الكترونية الى كتب او اسطونات تجارية دون اذن مسبق من صاحب المقال.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى